في كل بلاد الدنيا مقابل كلمة مدنية هو لفظة (عسكرية ) إلا في مصر، يصر إخواننا العلمانيون أنها مقابل كلمة (دينية ).
ليس في المصطلحات السياسية مصطلح اسمه الدولة المدنية كنظام للحكم،هناك الدولة الديموقراطية والدولة الثيوقراطية
الدولة الديموقراطية هي الدولة التي تختار حكامها وفق نظام الاقتراع الحر والنزيه ،وهي دولة تراعي حريات المواطنين وحقوقهم ويحكمها القانون
أما الدولة الثيوقراطية فهي الدولة القائمة على حكم الحاكم الذي هو خليفة الله في أرضه بإقرار طبقة رجال الدين المعصومين
وهي دولة لا تراعي حقوق الشعوب بل ولا آدميتهم ولا حقهم في اختيار حكمهم
وهي قائمة على ما يعرف بنظرية الحق الإلهي، وأن الله أوكل حكم الشعب إلى هذا الحاكم عن طريق رجال الدين المعصومين ،وظهرت الدولة الثيوقراطية جليا في اوروبا في العصور الوسطي .
لكن السؤال الان : هل في الإسلام دولة ثيوقراطية ؟
الجواب: بالقطع لا ،لكن السؤال الآخر : لم لا ولم بالقطع لا ؟
الجواب ثانية : أن الاسلام ليس فيه طبقة رجال الدين المعصومين بل قال العلماء قولتهم الشهيرة : ماتت العصمة بموت النبي عليه الصلاة والسلام ،فلا عصمة لأحد من بعده، والاجتهاد في الاسلام حق لكل أحد متى حصّل شروطه ، وأيضا لا عصمة له بعدها
ثم إن الإسلام أصلا لا يعترف بنظرية الحق الالهي ،ومن يتأمل سيرة الخلفاء الأربعة مثلا يجد أن كل خليفة منهم جاء بطريقة مختلفة عن الأخرى، مما يعطيك دلالة واضحة أن اختيار الخليفة أمر اجتهادي لا نص فيه وهو قائم علي المصلحة ، وكما قال الفقهاء العظماء :
حيثما وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله .
لكن السؤال الآخر : هل في الإسلام سياسة ؟
ببساطة لك أن تطالع كتب الفقهاء التي ألفوها عبر مئات السنين ستجد أن أغلب مؤلفاتهم كانت عن ابواب البيع والعقود والشراء والكراء
والمضاربة وأحكام الحرب والمعاهدات والجهاد …وغيرها
بل شاع بين الفقهاء ان أحكام الفقه عبادات والمعاملات ،وجانب المعاملات دوما يتجاوز ثلثي كتبهم
بل إن المتصفح للقران الكريم يجد السور مشحونة بآيات الميراث والبيوع والجهاد والمعاهدات وغيرها من المعاملات
وأكثر من ذلك وأوضح أن اكبر آية في القران كانت في أمر اقتصادي بحث وهو الدين والكتابة .
والان عود علي بدء بعد ان وضح ان كلمة الثيوقراطية لا علاقة لها بالاسلام لا من قريب ولا بعيد نسال سؤالا واضحا وصريحا : هل الاسلام مدني ؟
الجواب : ما معني كلمة مدني ؟
المدنية كلمة ماخوذة من التمدن وهو التحضر والتقدم ،يقال تمدن القوم اي تحضروا كما ان كلمة تحضروا ذاتها مأخوذة من التحضر
هذا يوصلنا بكل بساطة الي ان مقابلها هو التخلف والرجعية
وشاع في الانظمة السياسية انها الدولة المدنية هي مقابل الدولة العسكرية ،ببساطة لان الحكم العسكري هو اقصر الطرق الي التخلف لان العسكر وظيفتهم حماية امن الدولة لا حكمها
.
لكن الاخوة العلمانيون واليساريون في بلادنا يدركون جيدا ان إقصاء الاسلام واحكامه من الدولة أمر لن يقابل بسهولة
ويدركون ايضا ان لفظة مثل العلمانية والشيوعية الف الناس انها معادية للاسلام
لذا شاع في الاونة المعاصرة استخدامهم لكلمة المدنية بديلا عن العلمانية او اليسارية
ولا يفوتني في هذا الحديث ان أشير الي ان التغريب الذي جري في الامة العربية والاسلامية لاسيما
في اخر 200 عام ومنذ الحملة الفرنسية علي مصر قد اثر تاثيرا مباشرا في ظهور بعض
الاتجاهات التي تقصي الاسلام كلية من ايديولوجيتها بل تعاديه.
أيضا مهم جدا الالماح الي التفرقة مثلا بين العلمانية الكلية التي هي محض معاداة الدين وعدوه وبين العلمانية الجزئية
كما شرحها العلامة عبدالوهاب المسيري رحمه الله والتي في جوهرها قد تتلاقي مع جوهر الاسلام في نقاط كثيرة للغاية .
وأخيرا اخلص في نهاية حديثنا الي حقيقتين لابد من التركيز عليهما :
أولا: ان عكس كلمة مدنية هو الرجعية او التخلف وان مصطلح الدولة المدنية مصطلح زائف يستغله البعض لترويج مفاهيم
الايديولوجيات التي وجدت كسادا بالشارع حينما خرجت بمسمياتها الحقيقية
ثانيا: ان دراسة أحكام الشريعة الاسلامية كفيلة للباحث المنصف ان يدرك ان الاسلام دين مدني بمعني الكلمة وانه دين المدنية والتحضر .