لا يكاد يمر علينا يوما دون أن نقرأ خبرا فى جريده أو نسمع فى إحدى برامج التوك شو حزب من الأحزاب أو إحدى الائتلافات الثوريه تهدد بأنها ستبدأ " ثوره " إن لم تتحقق طلباتها التى تراها مشروعه … و تختلف هذه الطلبات بإختلاف أصحابها … فهناك من يهدد بالثوره إن لم تعاد الإنتخابات الرئاسيه بعد كتابه الدستور ظنا منه أنه فائز لا محاله … آخرون يهددوا بثوره إن بقى النائب العام فى منصبه مطالبين بتطهير القضاء… فى مواجهتم من يتوعد إن تم اقصاؤه عن منصبه دفاعا عن إستقلال القضاء … و البعض يصرخ بالفضائيات محذرا من دستور كتبه الإسلاميين يعيدنا الى عصور الظلام ووأد البنات و يحلل الإتجار بالنساء و الأطفال … و على قناه أخرى من يبشرنا بأن الدستور علمانى لا يمكن أن نقبله … و كل طرف يعد بمظاهرات و مليونيات تنتهى بثوره تحقق له ما يريد . … بتنا نشعرأننا فى إنتظار ثوره آتيه لا محاله… و هنا يأتى سؤال منطقى حول هذه الثوره المنتظره " من سيقوم بها ؟ " .
خلال الشهور الماضيه كان هناك دعوات لمظاهرات كثيره مطالبها تبدو منطقيه لفئات كبيره من الشعب و تخاطب جميع طوائفه على إختلاف توجهاته و إنتماءاته السياسيه …و بالرغم من أن طلبات و أهداف هذه المظاهرات تبدو على طرفى النقيض … إلا أن هناك رابط و نقطه مشتركه جمعت بينهم جميعا … كانت كلها مظاهرات هزيله لا تمثل العدد الحقيقي الذى يؤمن بشرعيه طلباتها … و لا تتناسب مع حجم التحضير الإعلامى لها … و ربما ضرت أصحابها و المنادين بها أكثرمما أفادتهم …حيث ظهروا بمظهر الأقليه التى تثير القلاقل و تمنع البلد من الإستقرار.
ما هذا ؟ هل فقدنا قدرتنا على الثوره ؟ !! …لقد توهمت بعض القوى السياسيه أنها قادره على حشد الملايين للثوره فى أى وقت يريدوه … و ظنوا أن الناس إذا آمنت بعداله المطالب فسيكون من السهل أن يحتشدوا و يصبحوا نواه لثوره جديده فى أى وقت … لقد نسي هؤلاء أن نفس هذا الشعب تحمل خلال ما يقرب من العامين ما يفوق طاقه البشر … لقد ثارت كل فئات الشعب و خرجت معرضه نفسها للهلاك و الموت أو الإصابه أملا فى مستقبل أفضل لهم و لأبنائهم … نعم بدأت كثوره للشباب و بنداءات على الفيس بوك للتظاهر يوم 25 يناير مطالبين "بعيش, حريه وعداله اجتماعيه " … و كان يمكن أن يبقي هذا هو أعلى سقف للمطالب لولا أن إنضمت لهم كل فئات الشعب …فتحول الأمر الى مطالبات "باسقاط النظام " و كان ما كان مما تابعناه جميعا من تطورات إنتهت بسقوط النظام … و دفعنا ثمن هذا غاليا من دماء أبنائنا ممن أستشهدوا فداء لنا جميعا و من آلاف المصابين ممن تركت لهم الثوره أوسمه سترافقهم باقى أعمارهم .
و إنتهت الثوره و بدأ الناس ينتظروا الثمره … و لن أسرد تفاصيل ما عانيناه طوال عام و نصف من حكم العسكر أنهكوا فيها الشعب و أصبح الحصول على الإحتياجات الأساسيه أكثر مشقه من قبل الثوره … و هربت رؤوس الأموال من بلد لا رئيس لها و لا حكومه دائمه و لا مجلسي شعب و لا شورى ..و إزدادت الحاله الإقتصاديه سوءا و إزداد الفقراء فقرا … و إنضم لهم كثيرون من أصحاب الأعمال الخاصه و ممن يطلق عليهم الطبقه المتوسطه … و بدأت صوره الثوره تتبدل فى الأذهان … لم تعد هى طوق النجاه الذى ينقلنا الى حياه أفضل و عيش كريم … بل هى الفزاعه التى تهدد قوتنا و تيتم أبناءنا و لم نرى لها فائده او عائد … لذا لا تتعجب إن ركبت سياره أجره ووجدت السائق يخبرك أنه ممن شاركوا فى الثوره و يحكى لك تفاصيلها بحماس … ثم ينتقل الى لعن اليوم الذى ثرنا فيه لأن الرزق قليل و لا يكفى … و لا إن ذهبت الى فندق ووجدت أحد العاملين يدعو على مبارك و رجاله ممن سرقوا البلد و أفقروه … ثم يبدأ فى إنتقاد الثوره و ما سببته من قطع عيش الكثيرين مثله بسبب قله عدد السائحين.
لا تتعجب … فملايين من أبناء هذا الشعب يعيشوا تحت خط الفقر … و لا نتوقع أن يهتموا بإختلاف النخبه حول كلمه فى إحدى مواد الدستور… و لا بدستوريه أن يتم إنتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب من الفردى أم من الأحزاب … ,لكن يفزعها سماع أن مليارات صرفت على الإنتخابات الأولى و سيتم صرفها مره أخرى لإعاده إنتخابات كانت فى الأصل نزيهه بسبب نص دستورى… و لا يعنيهم كثيرا إن كان رؤساء التحرير الجدد إخوان حقا أم لا و كثيرون منهم لا يملكوا رفاهيه شراء جريده يوميه …و من المؤكد كان لكل منهم إختيار مختلف بين المرشحين للرئاسه , و لكن ما يعنيهم الأن أن يستطيع من أصبح رئيسا أن ينهض بالبلد لتتحسن معيشتهم… لا يعنيهم كثيرا أى حزب له الأغلبيه بل و ربما يلعنوا جميع الأحزاب التى تتشاحن تاركه البلد تحيا فوق صفيح ساخن بشكل دائم .
انا لا اقلل من ادراك هذا الشعب العظيم الذى وهبه الله ذكاء فطرى و تقييم حكيم للأمور … و هو صاحب ثوره عظيمه يتحدث عنها العالم كله بإنبهار … و لكنى أطالب جميع الأطراف أن تسمو فوق الخلافات النخبويه … و حول المعارك اللفظيه … و أن يتخلوا عن ثقتهم العمياء بأن الشعب معهم يحركوه متى شاءوا … و أن الثوره شئ سهل …و أن بإستطاعتهم حشد الناس للقيام به وقتما يشاءوا و بمجرد دعوتهم لمليونيات … أدعوهم جميعا للعمل السريع و الجاد على الارض لا فى الفضائيات كى يشعر الناس أن ثورتهم و تضحياتهم طوال ما يقرب من عامين أثمرت شئ ذا قيمه … أدعوهم جميعا للإنتهاء سريعا من الدستور ومن إنتخابات مجلس الشعب كى تكتمل مؤسساتنا التشريعيه و يصبح لدينا كيان مستقر يشجع المستثمرين و يجذب رؤوس الأموال العربيه و الأجنبيه … أدعو جميع الأطراف أن ينسوا خلافاتهم و أطماعهم السياسيه لبضعه اعوام قليله تتنفس فيها مصر الصعداء … و إلا أبشرهم أن الثوره الثانيه قادمه لا محاله … و لن تكون هذه المره نتيجه لدعوه أى من الأطراف السياسيه … بل ستكون ثوره شعب علىكم أنتم … ثوره شعب على نخبته … ثوره شعب دفع الكثير كى يعطيكم حريتكم كامله فى تكوين الأحزاب و تبنى أى إتجاه سياسي تريدون … و إنتظر منكم المقابل … فعملتم لأنفسكم و لأهدافكم و لرفعتكم و أصبحتم له نكبه لا نخبه.