أعلن التلفزيون الرسمي العماني، في ساعة مبكرة من صباح السبت 11 يناير 2020، وفاةَ أطول الحكام العرب مكوثا في السلطة، «السلطان قابوس بن سعيد»، عن عمر تجاوز 79 عاما، بعد صراعٍ مع المرض لسنوات.
فمن هو السلطان «قابوس»، الذي حكم نصف قرن في صمت؟
في 18 من نوفمبر 1940، وُلد «قابوس بن سعيد» في عاصمة الجَمال العُماني، مدينة صلالة بمحافظة ظفار، لأسرة حاكمة يعود أصلها في حكم البلاد إلى 1741 على يد الإمام أحمد بن سعيد.
وفي سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا 1970، حدثت فوضى بالبلاد ومحاولة للانقلاب، من خلال تمرد مسلح قاده البعض في محافظة ظفار، احتجاجا على تخلف البلاد في عهد السلطان «سعيد بن تيمور» والد قابوس، وهو ما نجح قابوس في احتوائه، وتولى شؤون البلاد، ومنذ ذلك الحين اقترن اسم قابوس بلقب «السلطان».
ودرس «قابوس» في أكاديمية «ساندهرست» البريطانية وهو في العشرينيات من عمره، حيث أمضى فيها عامين و هي المدة المقررة للتدريب درس خلالها العلوم العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية آنذاك لمدة ستة أشهر، مارسَ خلالها العمل العسكري.
وعاد قابوس بعدها إلى المملكة المتحدة، حيث تلقى تدريباً في أسلوب الإدارة بالحكومة المحلية، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة. ثم عاد إلى البلاد عام 1964، بعد جولة حول العالم استغرقت 3 أشهر، زار خلالها العديد من دول العالم، واختار محل ميلاده محلا لإقامته، في مدينة صلالة.
وتزوج قابوس لفترة قصيرة، لم ينجب خلالها أي أبناء وهو ما أدى إلى وجود غموض في مسألة خلافته، وهو السلطان التاسع والحكام الثاني عشر لأسرة آل بوسعيد، وكان الابن الوحيد لوالده المتوفى عام 1972، بعد عامين من تنازله لابنه عن الحكم.
وتسلم «قابوس» زمام الأمور ولم يكن في عُمان متعلمون سوى أقل من الثلث، أما 66% من الشعب فكانوا أميين. انخفضت نسبة الجهل والأمية على يديه بفضل اهتمامه بإنشاء المدارس وإفساح المجال للجامعات وتحفيز أبناء عُمان من خلال الجوائز التشجيعية.
وكان الاقتصاد في حالة يُرثى لها، إذ كانت عُمان من أفقر الدول بالمنطقة العربية رغم ما تتمتع به من موارد طبيعية غنية، وكان الناتج المحلي العماني 256 مليون دولار، في العام الذي تولى فيه الحكم، لكنه اليوم في العام الذي يغادر فيه الحكم، يصل إلى 80 مليار دولار.
على المستوى السياسي، حافظ السلطان قابوس، بطريقة عجيبة، على الهدوء التام، وموقف الحياد تجاه كل الأزمات في المنطقة كثيرة الصراعات والمشكلات والمعسكرات، وهو ما أهله للعب دورٍ مهم بالاتفاق النووي بين إيران والغرب، الذي وُقع في 2015، لكن مباحثاته السرية جرت في سلطنة عمان بين إيرانيين وأميركيين عام 2012.
وفي الأزمة الخليجية لم يختر جهة السعودية والإمارات كما فعلت البحرين، ولم يختر جهة قطر، ولم يقف على الحياد ككما فعلت الكويت، وإنما اختار زاوية بعيدة تماما عن المشهد، تنأى به عن الصراع برمته بين الأشقاء.
وفي الربيع العربي، طالت نسماته عمان كأي بلدٍ غيرها، ولو بمجرد مظاهرات محدودة، لكنها نجح في تجاوز المرحلة بسكون تام، دون اللجوء إلى المواجهة المباشرة أو غير المباشرة كما جرى في البلدان الأخرى كافة.
وفي سياق علاقة مسقط مع الاحتلال الإسرائيلي، فشهدت ما لم تشهده عاصمة عربية أخرى بهذا الوضوح، حين استقبل رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو» وزوجته «سارة»، في أول زيارة رسمية لشخصية رفيعة المستوى، إلى عاصمة عربية، مع التعامل معها بهذا القدر من الجرأة وتسليط الضوء عليها من قبَل الإعلام العماني قبل أن يكون الإعلام العربي، وهو ما أثار الكثير من الشكوك والأسئلة.
وأصيب قابوس بمرضٍ ثقيل، عام 2014، خرج على إثره إلى رحلة علاجية استغرقت ثمانية أشهر، إذ امتدت من يوليو 2014 إلى مارس 2015، لكنها رغم طولها لم تكن كافيةً لإعفاء السلطان من وعكات متتابعة فيما بعد.
وأثارت قضية مرضه الشديد بالأيام الأخيرة الرأي العام في الوطنين العربي والإسلامي، حيث تساءل الجميع عن وريثه في حال موته، وهو ليس له أي أبناء، وعلى الجهة الأخرى فإن 85 شخصا من عائلته لهم الحق، بالتساوي، في وراثة حكمه.
لكنه لم يترك هذا الأمر مجهولا، فحدد ثلاثة أيام كملهة للأسرة الحاكمة للاجتماع وتحديد وريثه للحكم بالشورى بينهم، وفي حال لم يتوصلوا إلى اتفاق، فإنه ترك مظروفا مغلقا في أماكن متفرقة من البلاد يحوي الاسم الذي اقترحه كوريث له، يفتح حين تتطلب الأمور ذلك.