شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

عن العدالة الانتقالية – فهمي هويدي

عن العدالة الانتقالية – فهمي هويدي
    هذا بالضبط ما كنا نريده، أن نعرف من فعل ماذا؟ فقد ذكرت الصحف هذا الأسبوع أنه تم إلقاء القبض على المتهم...
 
 
هذا بالضبط ما كنا نريده، أن نعرف من فعل ماذا؟ فقد ذكرت الصحف هذا الأسبوع أنه تم إلقاء القبض على المتهم الرئيسي بحرق كنيسة كرداسة.
كما يجري التحقيق مع عدد من الأشخاص لتحديد المسؤول عن مقتل مساعد مدير أمن الجيزة، اللواء نبيل فرج.
 
 وكانت الصحف قد تحدثت عن إلقاء القبض على ثلاثة من المتهمين بقتل الجنود المصريين في رفح خلال شهر أغسطس الماضي، وأن أحدهم، اسمه عادل حبارة، اعترف باشتراكه في الجريمة.
 
صحيح أن ذلك لا يحسم الأمر تماما، لأننا مازلنا بصدد تحريات للشرطة وتحقيقات للنيابة، في حين أن الإدانة تثبت بحكم القضاء.
إلا أننا على الأقل تعرفنا على خيط في تلك القضايا قد يوصل إلى المتهم الحقيقي، بعد استيفاء الإجراءات والضمانات التي تسمح للعدالة بأن تأخذ مجراها.
 
بمعايير زماننا، فالتعرف على هوية المتهمين في أي قضية متعلقة بالأوضاع الراهنة يعد تطورا إيجابيا مهما،  ذلك أننا درجنا على أن نقرأ في الصحف اتهامات تهدر مبدأ شخصية الجريمة، فتنسب الوقائع وتوزع التهم على جماعات من غير المرضى عنها سياسيا، اعتمادا على تقارير وتحريات الأجهزة الأمنية.
 
بالتالي فإن الادعاء والمحاكمة والحكم ذلك كله يتم على صفحات الصحف، دون أن تكون لتحقيقات النيابة أو أحكام القضاء صلة بالقضية.
 
وليس ذلك أغرب ما في الأمر. لأن الأغرب من ذلك أن هناك قطاعات استمرأت هذا الأسلوب. وقبلت مبدأ الادعاءات والمحاكمات الإعلامية، حتى أصبحت تستنكر التحذير من التسريبات الأمنية التي أصبحت تصفِّي الحسابات السياسية من خلال وسائل الإعلام.
 
ومن المدهش أن بعض المثقفين أصبحوا يرحبون بتلك الادعاءات لمجرد أنها تتفق مع أهوائهم.
ومنهم من عبر عن تململه واستيائه حينما دعوت إلى عدم الاستباق وانتظار تحقيقات النيابة ورأى القضاء في الموضوع لكي تتحدد المسؤولية بوضوح، ويحاسب الفاعل على ما اقترفته يداه.
 
وكنت ومازلت أستغرب أن يفسر ذلك الموقف باعتباره تحيزا فكريا، في حين أنه ينطلق بالأساس من احترام القانون والدفاع عن قيمة العدل.
 
ينبغي أن تحمد الجهد الذي يبذل لتحديد هوية المتهمين في بعض الجرائم الأخيرة التي صدمت الرأي العام واستفزته، إلا أننا لا نستطيع أن نكتم تساؤلا حول الأسباب، التي من أجلها لم يبذل ذلك الجهد في قضايا أخرى جرى إهمالها حتى طواها النسيان.
 
يحضرني هنا مشهد تبرئة ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل المتظاهرين في عدة محافظات بالدلتا، الأمر الذي استدعى سؤالا كبيرا عمن قتل أولئك المتظاهرين إذن؟
 
ليس ذلك فحسب. وإنما بوسعنا أن نمد البصر إلى الأحداث التي تلاحقت منذ ثورة 25 يناير عام 2011 والتي قتل فيها مئات وأصيب مئات آخرون بين أناس فقدوا أعينهم أو أطرافهم أو أصيبوا بالشلل الرباعي.
 ولم نعرف من الذي قتل أو اعتلى الأبنية ليقوم بالقنص أو هاجم المتظاهرين في موقعة الجمل.
 
لا يغير من ذلك أن ضابطا وصف بأنه قناص العيون حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات،
وأن جنديا حكم عليه بالسجن في موقعة ماسبيرو التي قتل فيها أكثر من 30 شخصا، فتلك استثناءات لها ظروفها ولا يعتد بها.
 
يثير دهشتنا وتساؤلنا ذلك السكوت لا ريب، لكن تلك الدهشة تتضاعف حين نعلم أن لجنة موقرة قامت بتقصي حقائق أحداث تلك المرحلة، رأسها المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق،
ثم أعلنت نتائج عملها في مؤتمر صحفي عقدته في 14 أبريل من عام 2011، حددت فيه الجهات المسؤولة عن الحوادث التي وقعت، وأشارت صراحة إلى دور الأجهزة الأمنية وضلوعها في وقائع القتل والقنص،
 كما ذكرت أسماء بذاتها اتهمتها بارتكاب بعض تلك الجرائم (واقعة الجمل مثلا)،  لكن ذلك كله تم تجاهله، في الأغلب لأنه أشار إلى من أريد لهم أن يظلوا بمنأى عن الحساب.
الأمر الذي يعني أنه حتى الكشف عن الجناة يخضع للحسابات والملاءمات السياسية.
 
إنني أؤيد تماما الدعوة إلى محاسبة الذين تلوثت أيديهم بدماء أبناء الوطن،
وأرجو ألا يتم ذلك بطريقة انتقائية أو تبعا للهوى السياسي.
 
لذلك أزعم أن ضمير الوطن لن يستريح إلا إذا فتحت كل الملفات دون استثناء، بحيث نعرف القتلة الحقيقيين الذين استباحوا دماء المصريين في ظل الحكم العسكري وتحت رئاسة الدكتور مرسي وبعد 3 يوليو الماضي..
من يجرؤ على ذلك؟
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023