الثورة سياسيا هي تغيير الوضع الراهن والعمل على تغييره، والثورة دائما ترتبط بالتغيير سواء كان تغييرا للأفضل أو الأسوأ، ولا علاقة للثورة والثورات على مدار التاريخ بفكرة الرضا بالقليل والاعتراف بالواقع .
إن كان ما يحدث في مصر حاليا هو ثورة حقيقية من أجل تغيير نظام بأكمله فلا مجال لقبول مبادرات تتحدث عن اعتراف بواقع لأن هذا الواقع بطبيعة الحال هو أصل المشكلة وهو ما يراد القضاء عليه تماما .
أما إن كان ما يحدث الآن هو حراك طبيعي أو إن شئت فقل إنه ردة فعل غاضبة عن قتل واعتقال وتشريد الآلاف ولكنه لا يدخل في نطاق الثورات بمفهومها السياسي فبامكانك أن تتحدث هنا عن اعتراف بأمر واقع وان تستمع للعمدة وغيره .
لا أشكك في نوايا محمد العمدة لأنه كان بالنسبة للكثيرين بطل قومي منذ أسابيع قليلة وكان يقف كتفا بكتف مع البلتاجي وبديع وعصام سلطان وكل هؤلاء فربما يقصد الرجل خيرا بما يفعل أو ربما يعتقد أن المفترض أن نعود خطوة للوراء أو ربما لا يرى أنها ثورة وأن هذا الحراك لا يسمن ولا يغني من جوع .
اختلافي مع محمد العمدة ليس في نواياه ولكن في عدة نقاط :
أولا : لا تصالح على الدم ولا بدم ، قاعدة ثورية محسومة فلا مجال يا عزيزي للتصالح على الدم ولو فعله قبلك آخرون أيا كان انتماؤهم فقد اخطأوا في حق انفسهم وفي حق الثورة .
ثانيا : من يتحدث عن ثقة مرة أخرى ولو بنسبة لا تتعدى واحد في المليون في هذا النظام الذي قتل وسرق وسحل وسجن وعذب واعتقل وانتهك كل الحرمات فهو لا يتعلم من اخطائه ابدا ولا يريد قراءة الواقع الذي يريد الاعتراف به .
ثالثا : كيف تنظر في وجه امرأة انت تعلم انك لن تستيع حمايتها ، كيف تقنع أمهات الشهداء وامهات المعتقلين يا عزيزي العمدة بان يتناسوا جراحهم ويقفوا ورائك ويلتفوا حولك في مبادرتك الجديدة وإذا استطعت بمهارة ساحسدك عليها ان تقنعهم جميعا بذلك فكيف ستضمن انت حمايتهم امام الالة العسكرية التي تبطش بهم في أي لحظة مرة أخرى، بل ازيدك يا عزيزي العمدة، كيف تستطيع حماية نفسك انت ؟؟ ما ضماناتك لنفسك ألا تعود إلى السجن مرة أخرى ؟؟
رابعا : توقيت عرض المبادرة يا عزيزي العمدة جانبك فيه الصواب من وجهة نظري ففي مثل الذي نعيشه من أحداث جسام لا يعقل ان يكون أول ما تفعله فور خروجك من معتقل مكثت فيه شهورا عديدة ان تتحدث عن اعتراف بالواقع وعن سيسي يدير مرحلة انتقالية !!
عزيزي العمدة هناك مقال كتب في النيويورك تايمز وتمت ترجمته في موقع نون بوست بتاريخ 13-8-2013 بقلم البروفيسور شيري بيرمن تحدثت فيه عن أن إقامة دولة ديموقراطية مستقرة عملية ذات مرحلتين :
الأولي تكمن في التخلص من النظام القديم وتليها مرحلة بناء بديل ديموقراطي دائم
فدعني أسالك باعترافنا بالواقع وفقا لمبادرتك فهل تقر أنت انتهاء الثورة من المرحلة الاولى ؟؟ هل تخلصت الثورة من النظام القديم ؟؟
وهل تدعونا يا عزيزي العمدة للاعتراف بالسيسي ونظامه كبديل ديموقراطي دائم ؟؟
وفي النهاية عزيزي العمدة أهديك أبيات خالدة كتبها العظيم أمل دنقل كدستور يسير عليه الجميع في مثل هذه المواقف
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
فلا تصالح