شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأتراك منا ونحن منهم – محمد إلهامي

الأتراك منا ونحن منهم – محمد إلهامي
ثمة كلام كثير يمكن أن يقال بعد الفوز التاريخي الذي حققه أردوغان في الانتخابات البلدية، وكلام كثير سيقال...
ثمة كلام كثير يمكن أن يقال بعد الفوز التاريخي الذي حققه أردوغان في الانتخابات البلدية، وكلام كثير سيقال وسيكتب، وفي هذه السطور محاولة لمدّ النظر إلى الجذور..
 

الأتراك منا ونحن منهم..

وذلك أن الإسلام هو هوية المسلم المقدمة على كل هوية أخرى، فالمسلم يشعر بالإنتماء للإسلام قبل الإنتماء للعرق أو القومية أو الوطن أو القبيلة أو حتى الأسرة، ومن مقتضيات الإسلام أن يكون المسلم الذي لم يره ولم يسمع به في أقاصي الأرض أقرب إليه من أهله غير المسلمين.
بل إن قوميتنا العربية نسيج فريد في القوميات، فهي قومية لسان، فمن نطق بالعربية فهو عربي "إنما العربية اللسان"، وبهذا فهي قومية ثقافية لا عرقية.
على أن الأتراك لهم معنا تاريخ طويل..
 
فلقد فتح المسلمون بلاد الأتراك منذ عهد الدولة الأموية العظيمة، ومثلما حملنا إليهم الإسلام الذي صاروا به –كشأن العرب- أعزة، فقد تشرب الأتراك الإسلام وبذلوا في الجهاد بذلا ربما لا يفوقهم فيه عرق آخر، فمنذ أن ضعف العرب والفرس عن شأن الجهاد حتى تولى أمره الترك، فكانوا جيش الخلافة العباسية منذ منتصف القرن الثالث الهجري، فما زالوا يجاهدون شرقا وغربا، وكلما ضعف منهم قوم جاء منهم آخرون فجددوا عهد الجهاد، فليس إلا قرن بين ضعف ترك الخلافة العباسية حتى قدم الطوفان السلجوقي من أقصى الشرق ليغرس رمحه في قلب آسيا الصغرى وفي عمق الدولة البيزنطية العتيدة، وليس إلا قرن بعد ضعف السلاجقة حتى ولدت الدولة العثمانية التي أسقطت الدولة البيزنطية وجعلت عاصمة الأرثوذكسية ومدينة قسطنطين وهرقل عاصمة الإسلام من بعد ثمانية قرون من الحروب المتصلة، وهو الإنجاز الذي عجز عنه كل الفاتحين العظام من قبل، ولم تكتف بهذا بل كادت جيوشها تفتح المعقل الثاني "روما" وكم كادت تهدم أسوار فيينا، ولو تحقق هذا لتغير وجه التاريخ كله.
 
لقد حملت الدولة العثمانية عبء الجهاد وحدها أربعة قرون، واستطاعت أن تواجه الأعداء الأربعة معا: الروس الذين ورثوا الأرثوذكسية من الشمال، وأوروبا من الغرب (في شرق أوروبا) ومن الجنوب (في سواحل البحر المتوسط والأحمر وخليج عدن وخليج العرب)، والصفويون من الشرق.. وظلت تقاوم الإنهيار أكثر من قرن، ولم تسقط إلا من داخلها من بعد ما تمكنت منها المؤامرات، وذهب الأقوياء العظام.. ولكل شيء أجل.
فما كان العثمانيون وهم يحاولون إنقاذ مسلمي الأندلس أو هم يسيرون أساطيلهم في بحار العرب أو يجاهدون في الشام – ينظرون إلى الأمور إلا بالعين الإسلامية والهوى الإسلامي، ولا كانوا وهم يفتحون القسطنطينية ويجاهدون في أوروبا ينظرون إلى هذا باعتباره حربا تركية غربية، وهذه رسالة الفاتح إلى الخليفة العباسي العربي في القاهرة تبشره بفتح القسطنطينة تشهد ، ما كانت لعنة القوميات قد ظهرت حينئذ فضلا عن أن تتشربها بيئاتنا، وما إن حلت هذه اللعنة القومية حتى ضعف الترك وضعف العرب معا، وما استفاد من ذلك إلا العدو وحده فأذاق كليهما سوء العذاب وضربهما بسوط الإستعمار.
 
سُئل جلال كشك: هل تنكر أن الدول العربية فقدت عروبتها بالفتح التركي؟
فقال: "العكس هو الصحيح، البلاد التي فتحها العثمانيون هي التي بقيت عربية ،إسبانيا، البرتغال، صقلية، رودس، كريت، مالطة، وشرق وغرب ووسط إفريقيا، كلها كانت عربية وفقدت عروبتها لأن السيوف التركية لم تحمها .
الإستعمار الغربي الذي ظهر مع قيام الدولة العثمانية كإمبراطورية كبرى كان يحمل طابع الإبادة القومية،ولو امتد الغزو الغربي من إسبانيا والبرتغال إلى الشاطئ الإفريقي، ثم لو انتشر إلى الشاطئ السوري لما بقينا عربا حتى الآن ، بل لكنا شيئا شبيها بالمالطيين، أو حتى كسكان أمريكا اللاتينية في أفضل الأحوال.

الذي أبقانا عربا هم الأتراك والمدفعية التركية والأسطول التركي والدم التركي الذي دافع عن شواطئنا ثلاثة قرون حتى نضجت عناصر المقاومة وتغير شكل الإستعمار الغربي ولم يعد الإحتلال الغربي يحمل خطر الإبادة القومية التي كان يمثلها في القرن الخامس عشر أو السادس عشر" [حوار في أنقرة ص21، 22].
 

فالأترك منا ونحن منهم، ولو كره القوميون الفاشلون أتباع الناعقين من المحتلين.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023