تحتل روسيا الاتحادية القطر العربي السوري، بالتعاون مع جمهورية إيران، تشن الأولى حربًا جوية متوحشة ضد الشعب السوري، وضد تطلعاته نحو اختيار نظام حكمه الذي يحقق له الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال.
هذه الحرب الروسية على سوريا باسم محاربة الإرهاب تجعل المليشيات الإيرانية والمرتزقة والجحافل الطائفية من أفغانستان وباكستان والعراق، ومناطق أخرى، تتحرّك على الأرض السورية بسهولةٍ، ومن دون مقاومة تُذكر؛ نظرًا لفاعلية الحرب الجوية الروسية، والبراميل المتفجرة التي يسقطها النظام الحاكم في دمشق جوًا على المدنيين من دون تمييز، كما أن القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية الموالية لإيران تقوم بحرب تجويع ضد المدنيين السوريين، بفرض الحصار الشامل على القرى والمدن السورية.
(2)
تؤكد تقارير دولية، أن حرب التجويع التي تقودها إيران وروسيا والنظام السوري ضد المدنيين بلغت مداها؛ إذ يقول المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، إرثين كازين، إن هناك 18 منطقة محاصرة في سوريا، وفيها نصف مليون إنسان لا يمكنهم الحصول على الطعام أو على مساعدات إنسانية. وشبهت مجلة “فورين بوليسي” الشعب السوري بمريضٍ أصبح في غرفة الإنعاش، محذّرة من أن السوريين الذين أصبحوا بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية العاجلة وصلوا إلى نحو 14 مليون إنسان. في هذه الظروف المأساوية التي يمر بها الإنسان السوري، تدعو الأمم المتحدة، ممثلة في ممثل الأمين العام، ستيفان دي ميستورا، إلى مؤتمر في جنيف، ينعقد الأسبوع الجاري، يضم ممثلين عن النظام وعن المعارضة.
والمضحك المبكي أن روسيا صاحبة الحل والعقد في دمشق هي التي تحدد وتعلن تشكيلة وفد النظام، برئاسة وزير الخارجية، وليد المعلم، وتستبدله ببشار الجعفري ممثل النظام في الأمم المتحدة. وهي تفرض شروطها لتحدّد وفد المعارضة، وتشطب أسماء وتضيف آخر للتفاوض مع ممثلي بشار الأسد/ بوتين. تشترط روسيا، مثلًا، عدم مشاركة “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” في المفاوضات، وتتهم المعارضة بأنها تضع شروطًا مسبقة، وأنها تنتهك قرار مجلس الأمن 2254. والواقع أن موسكو هي التي تفرض شروطًا على المقاومة، منتهكة بذلك القرارات الدولية، وهي التي شكلت معارضةً موازيةً للمعارضة الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي.
أحسنت المعارضة الشرعية، بقيادة رياض حجاب، عندما أعلنت أنها لن تشارك في المؤتمر المعني، ما لم تتوقف جميع أعمال العدوان المسلح وحرب التجويع ضد الشعب السوري، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين لدى سلطات النظام، وأضيف إلى ذلك خروج جميع المليشيات التي استقدمها النظام لحمايته ومحاربة الشعب نيابة عنه.
(3)
المعارضة التي شكلها وزير خارجية موسكو، سيرجي لافروف، ليس معترفًا بها، لا في سوريا الداخل ولا الخارج، ولا المجتمع الدولي، لتكون بديلًا من المعارضة الشرعية، وتلك المعارضة التي شكلها وزير الخارجية الروسي تتكون من هيثم مناع رئيس “مجلس سورية الديمقراطية” وصالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وقدري جميل رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، وآخرين. لا يشكك الكاتب في وطنية أي من هؤلاء، لكني أستغرب موقف هيثم مناع الذي قضى نصف عمره معارضًا لحكم آل الأسد، واليوم يقف معارضًا لكل من يعارض ويحارب نظام بشار الأسد. اشترطت المعارضة برئاسة رياض حجاب المتجهة إلى جنيف، قبل بدء التفاوض، وقف الحرب المسلحة وحرب التجويع ضد الشعب السوري، وأمورًا أخرى. كنت أتوقع انضمام مناع، والأحزاب المقترحة روسيًا للمشاركة في المفاوضات، أن ينضموا إلى ما تطالب به المعارضة الشرعية، وليس الصمت أو الوقوف على الحياد. الصمت عن سبق إصرار عن تأييد مطالب المعارضة الشرعية آنفة الذكر يعتبر خيانةً عظمى للشعب السوري.
(4)
يبدو من ممارسات المعارضة المقترحة روسيًا أنهم لم يأخذوا عبرًا من تاريخ المقاومة في دول كثيرة. مثلًا، جبهة التحرير الجزائرية في الخمسينيات والستينيات، كانت بين أطرافها آراء مختلفة في مقاومة الاحتلال الفرنسي، كان منهم القومي والشيوعي والإسلامي، وحتى الفرنكفوني، لكنهم أجمعوا وتوحدوا من أجل دحر الاحتلال. حكومة عباس فرحات، ثم حكومة بن بيلا، ثم حكومة بو مدين، كانوا كلهم شركاء في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، وكان لكل منهم رأي، إلا أنهم أجمعوا على تحرير الجزائر. وكذلك الثورة الفيتنامية، والمقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني، كان بينهم من يدعو إلى مقاومةٍ من غير عنف، وآخرون يدعون إلى مقاومةٍ مسلحة، وانتصر الجنرال ديجول صاحب المقاومة المسلحة. وهناك الثورة الكوبية والخلاف بين كاسترو وجيفارا الذي انسحب لصالح وحدة الثورة التي انتصرت بقيادة كاسترو. هذه العبر لم يأخذ بها هيثم مناع، ورفاقه المقربون من موسكو. وبذلك، فإنهم يعملون على إفشال الثورة ضد النظام بالتعاون مع إيران وموسكو وإسرائيل الحريصة كل الحرص على بقاء بشار الأسد في الحكم.
آخر القول: أخطر صنوف المعارضة تلك التي يشكلها العدو، كما حال المعارضة التي شكلها الروس في سوريا.