شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

“نيويورك تايمز”: الإخوان سيعودون!

“نيويورك تايمز”: الإخوان سيعودون!
أقنع المستبدون العرب أنفسهم بأن إخفاقات الماضي في سحق المعارضة الإسلامية هي نتيجة استخدام القوة بشكل غير كافٍ! ولذلك...

أقنع المستبدون العرب أنفسهم بأن إخفاقات الماضي في سحق المعارضة الإسلامية هي نتيجة استخدام القوة بشكل غير كافٍ! ولذلك فإن أحدث محاولة – تلك المدعومة بمليارات الخليج – وصلت بمستويات القمع في مصر إلى درجة وحشية في تحد غير مسبوق للإخوان، لكن هذه المحاولة أيضًا ستفشل.

 

منذ الإطاحة بها من السلطة في يوليو الماضي، تواجه جماعة الإخوان المسلمين، الأكبر في العالم العربي لحظة تهدد وجودها، لقد أصبحت الجماعة هدفًا لقمع شديد أدى إلى موجة من التعليقات من أطراف عديدة حول فشل – أو حتى نهاية – الإسلام السياسي.

 

النعي المبكر للإخوان المسلمين عادة ما ينقلب إلى عكس ذلك تمامًا، في وقت مبكر من عام 1963، كتب عالم السياسة "مانفريد هالبيم" أن العلمانية القومية قضت على الإسلام السياسي، وبعد نصف قرن من ذلك، قال معارضو الإخوان إن "الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في مصر هي ليست إطاحة برجل أو بمنظمة، لكنها إطاحة بالإسلام السياسي عالميًا"، إنهم كذلك يتحدثون عن عدم توافق بين الإسلام والديمقراطية، في ادعاء غريب بالنظر إلى أن مرسي كان رئيسًا منتخبًا ديمقراطيًا أطاح به الجيش، وليس العكس!.

 

كان مرسي فاشلاً، وأُطيح به بدعم من الملايين، كان عنيدًا وغير كفء وفشل في الحكم بشكل يجمع ولا يفرق، لكن هناك فشل آخر أعمق وأوضح، فشل الدولة العلمانية وعدم قدرة أنظمتها السياسية على استيعاب مشاركة الإسلاميين في العملية الديمقراطية.

 

الأمريكيون يميلون لرؤية الليبرالية والديمقراطية تسير جنبًا إلى جنب، لكن في الشرق الأوسط، عملية الديمقراطية من شأنها أن تدفع الإسلاميين إلى تبني مزيد من وجهات النظر المعادية لليبرالية.

 

في المجتمعات المحافظة دينيًا، هناك تأييد واسع النطاق لمزيد من الخلط بين الدين والسياسة، على سبيل المثال: البيانات المتوفرة حول مصر تقول إن الغالبية يؤيدون الشريعة كمصدر أساسي أو حتى مصدر أوحد للقانون، كما يؤيدون استمداد العقوبات الجنائية من الدين، ولا يؤيدون المساواة بين الجنسين، ويرون دورًا لرجال الدين في صياغة التشريعات، إذا كان هناك طلب شعبي لذلك، فإن على شخص ما (جماعة ما، أو حزب ما) توفيره! الديمقراطية في هذه الحالة تعني أن جماعات مثل الإخوان المسلمين لم تعد تحتكر أصوات المتدينين، إنهم يتنافسون الآن مع الأحزاب السلفية الأكثر نصوصية وصرامة؛ مما ينتج عنه تأثير مشابه لما فعله "حزب الشاي" في الولايات المتحدة، إذ جذب يمين الوسط (الأكثر اعتدالاً) نحو المزيد من التوجهات اليمينية الأكثر أصولية.

 

هذا يطرح سؤالاً شائكًا بالنسبة للمراقبين الغربيين: هل العرب لديهم الحق في أن يقرروا – من خلال الديمقراطية – أنهم لا يرغبون في أن يكونوا ليبراليين؟.

 

حتى في تونس – ربما النقطة المضيئة الوحيدة في الربيع العربي الذي تلاشى الآن – لا تزال تلك القضية عصية على الحل، يستحق حزب النهضة الإسلامي الامتنان على تطوعه للانسحاب من السلطة أمام احتجاجات المعارضة، لكن مع ذلك، لا يزال الاختبار الحقيقي لتونس لم يأت بعد، ماذا لو استمرت النهضة في الفوز بالانتخابات، مقررًا تنفيذ أجندة إسلامية تريدها قاعدة ناخبيه، هل سيكون علمانيو تونس على استعداد لقبول ذلك؟.

خلال العملية الهشة للتحول الديمقراطي، اختارت النهضة ألا تغامر على أرض شديدة الانقسام، لكن هذا لا يعني أن قادتها قرروا التخلي عن أهدافهم! إنهم إسلاميون لسبب ما، رغم كل شيء!.

 

هذا هو الوضع الصعب في الشرق الأوسط، بالنسبة للعلمانيين والليبراليين، بعض الحقوق والحريات هي – بالتعريف – غير قابلة للتفاوض، إن لديها تصور لدور الدولة على أنه محايد يجب أن يبقى بعيدًا عن الحياة الخاصة لمواطنيها، من ناحية أخرى، لا يتبنى ذلك الموقف أكثر الإسلاميين "اعتدالاً"، حيث يرون أن الدولة يجب أن تعزز مجموعة أساسية من القيم الدينية والأخلاقية من خلال القوة الناعمة لأجهزة الدولة، مثل النظام التعليمي والإعلام.

 

الشيخ "حبيب اللوز" أحد الصقور في حركة النهضة أخبرني "لا يوجد أحد منا لا يؤمن بتطبيق الشريعة، وكلنا نعتقد أنه يجب أن يُحظر الكحول يومًا ما، كل ما نختلف عليه هو أفضل السبل لفعل ذلك".

 

الليبراليون يقولون إن الحل الذي يتبنونه هو الحل الوسط المقبول فقط! في مجتمع ليبرالي، يجب أن يعبر الجميع عن رأيهم، لكن طبيعة الليبرالية المحايدة لا يمكن أن تكون مقبولة إلا في إطار الليبرالية.

 

الإسلاميون لا يستطيعون التعبير عن "إسلاميتهم" في دولة شديدة العلمانية، مشاعر الاغتراب الذي قد يشعر بها ليبرالي في ديمقراطية إسلامية افتراضية لا تختلف كثيرًا عما شعر به زعيم النهضة "راشد الغنوشي" عندما كان يعيش في فرنسا كطالب دراسات عليا شاب، كتب في يومياته يقول "كانت السنة التي قضيتها في باريس، الأصعب والأكثر إرهاقًا في حياتي”.

 

في عمله الأشمل "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" حاول الغنوشي أن يوائم النظرية السياسية الإسلامية مع المعايير الديمقراطية الحديثة، ولكن حتى في ذلك، لا ترقى أفكاره للديمقراطية الليبرالية، ولا يجب أن يكون ذلك مستغربًا جدًا: الديمقراطية الإسلامية، كمصطلح، هو مصطلح غامض، يعتمد على أساسين فلسفيين مختلفين تمامًا.

 

إذا اضطرت الأحزاب الإسلامية المنتخبة للتخلي عن طابعها الإسلامي، فإن ذلك يكون مناقضًا لجوهر الديمقراطية، والذي يقول بأن "الحكومات يجب أن تكون معبرة، أو على الأقل مستوعبة للتفضيلات العامة لمواطنيها".

 

الطلب من الإسلاميين أن يتخلوا عن هوياتهم وما يؤمنون به، لن يكون أمرًا يمكن تحمله، وستكون له تبعات خطيرة تنتج عنها إخراجهم من العملية السياسية.

 

الآثار واضحة، لكنها مقلقة إلى حد كبير، فإذا أردنا للديمقراطية أن تزدهر في الشرق الأوسط، فلابد لها أن نجد وسيلة لدمج الأحزاب الإسلامية، وبالتالي فعليها أن تصبح "غير ليبرالية" إلى حد ما.

 

للتوضيح، في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية، كان على الاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين أن ينتقلوا من اليمين إلى الوسط إذا أرادوا الفوز في الانتخابات، ولكن هذا كان بسبب وجود وسط! حتى في تركيا، والتي عبر أكثر من 40 سنة من التجربة الديمقراطية فشل الوسط في إثبات وجوده.

 

تحتاج أيديولوجية الإسلاميين وأفكارهم أن تؤخذ على محمل الجد باعتبارها شيئًا يشعر به الإسلاميون بعمق وبصدق، الحركات الإسلامية في الحقيقة لديها وجهة نظر عالمية مميزة ورؤية لما يجب أن تكون عليه مجتمعاتهم، ربما يكون ما يقوله معادو الإسلاميين حقيقيًا، وهو أمر يعترف به الإسلاميون في اللقاءات الخاصة، إنهم يتحدثون عن "سياسة المراحل" أو "التدرج"، وهو يعني أن تتنازل عن بعض أهدافك الإسلامية على المدى القصير، لتقوية ذراعك على المدى الطويل.

 

ولكن، على العكس من الليبراليين العرب، تبدو الأغلبية الساحقة من المنتمين للحركة الإسلامية ملتزمة بالعملية الديمقراطية، لم يحدث ذلك السيناريو الذي يتبناه كثير من الليبراليين (وتبناه العسكر في مصر كذلك، عندما قال عبدالفتاح السيسي "كانوا هياخدوا السلم معاهم لفوق" – المترجم) من أن "الإسلاميين يصلون إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، كي ينقلبوا عليها وينهوا الديمقراطية"، الإسلاميون الآن مختلفون تمامًا عن ذي قبل، لقد قطعنا شوطًا طويلاً عن الستينات والسبعينيات عندما كانوا يرون الديمقراطية مستورد غربي لا يجوز تبنيه في المجتمعات العربية.

 

هذا السيناريو يوفر مبررًا لهؤلاء الذين يرون الإسلاميين – بغض النظر عن التزامات الإسلاميين بالديمقراطية – تهديدًا وجوديًا لهم، إذا كانت هناك معركة صفرية، فإن الخيار الآخر هو تهميش الأحزاب الإسلامية أو القضاء عليها تمامًا، وهذا ما يفعله النظام العسكري في مصر.

 

مثل هذا الجهد الذي يراه العديد من أنصار العسكر في مصر شرًا لابد منه، لا يمثل سياسة دموية ومزعزعة للاستقرار فحسب، ولكنه أيضًا ضرب من التفكير الساذج، يمكنك أن تقتل منظمة، القتل فكرة مختلفة تمامًا!.

 

لقد أقنع المستبدون العرب أنفسهم بأن إخفاقات الماضي في سحق المعارضة الإسلامية هي نتيجة استخدام القوة بشكل غير كافٍ! ولذلك فإن أحدث محاولة – تلك المدعومة بمليارات الخليج – وصلت بمستويات القمع في مصر إلى درجة غير مسبوقة في تحد غير مسبوق أيضًا للحركة الإسلامية الأكبر في المنطقة، لكن هذه المحاولة أيضًا ستفشل.

 

الدرس المستفاد من الربيع العربي، ليس أن الأحزاب الإسلامية معادية للديمقراطية، ولكن هي أن الديمقراطية مستحيلة بدون الإسلاميين، حتى عندما تحدث فرجات في النظام لبعض الديمقراطية – سواء ذلك حدث في 5 سنوات أو 10 أو 15 سنة – فإن الإسلاميين سيكونون في الانتظار، على استعداد للعودة لصدارة المشهد السياسي، وربما حتى العودة مرة أخرى إلى السلطة.

 
ترجمة: نون بوست 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023